وقد عدّه ابو ريحان البيروني في كتابه «الآثار الباقية» ممّا استعمله أهل الاسلام من الأعياد([4]).
وليس ابن خلّكان وابو ريحان البيروني، هما الوحيدان اللذان صرّحا بكون هذا اليوم هو عيد من الاعياد، بل هذا الثعالبيّ قد اعتبر هو الآخر ليلة الغدير من الليالي المعروفة بين المسلمين([5]).
إن عهد هذا العيد الاسلامي وجذوره ترجع إلى نفس يوم «الغدير» لأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر المهاجرين والانصار بل أمر زوجاته ونساءه في ذلك اليوم بالدخول على «عليّ» (عليه السلام) وتهنئته بهذه الفضيلة الكبرى.
يقول زيد بن ارقم: كان أول من صافق النبي (صلى الله عليه وآله) وعليا: أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والانصار وباقي الناس([6]).
الدلائل الاخرى على أبديّة الغدير:
ويكفي في أهميّة هذا الحدث التاريخي أنّ هذه الواقعة التاريخية رواها مائة وعشرة صحابيّ، على أن هذه العبارة لا تعني أنّ رواية هذه الواقعة اقتصرت على هؤلاء المائة والعشرة من ذلك الحشد الهائل بل يعني أن هؤلاء جاء ذكرهم في كتب أهل السنّة ومصنفاتهم.
صحيح أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألقى خطابه المذكور الذي تضمّن نصب عليّ (عليه السلام) للخلافة في مائة الف او يزيدون من الناس ولكن كثيرا منهم كانوا قد أتوا من مناطق نائية من الحجاز ولهذا لم يروعنهم هذا الحديث، كما ان كثيرا من الذين حضروا ذلك المشهد التاريخي العظيم رووا ونقلوا للآخرين هذا الحديث ولكن التاريخ لم يوفق لذكر أسمائهم، أو إذا تمّ ذلك لكن لم يصل إلينا.
ثم إنّه روى هذا الحديث في القرن الثاني الاسلاميّ وهو عصر التابعين تسعة وثمانون تابعيا.
وقد بلغ عدد من روى حديث «الغدير» في القرون اللاحقة في كتابه من علماء أهل السنة وفضلائهم ثلاثمائة وستون شخصا، وصحّحه جمع كبير منهم واعترفوا بتواتره.
ففي القرن الثالث رواه
اثنان وتسعون عالما.
وفي القرن الرابع رواه
أربعة واربعون.
وفي القرن الخامس رواه
أربعة وعشرون.
وفي القرن السادس رواه
عشرون.
وفي القرن السابع رواه
واحد وعشرون.
وفي القرن الثامن رواه
ثمانية عشر.
وفي القرن التاسع رواه
ستة عشر.
وفي القرن العاشر رواه
أربعة عشر.
وفي القرن الحادي عشر رواه
اثنا عشر.
وفي القرن الثاني عشر رواه
ثلاثة عشر.
وفي القرن الثالث عشر رواه
اثنا عشر.
وفي القرن الرابع عشر رواه
عشرون عالما.
ولم يكتف البعض بنقل ورواية هذا الحديث في كتبهم ومؤلّفاتهم بل ألّفوا حوله رسائل أو كتبا مستقلة.
وقد ألّف المؤرخ الاسلامي الكبير «الطبري» كتابا في هذا المجال أسماه «الولاية في طرق حديث الغدير» روى فيه هذا الحديث عن النبي بخمس وسبعين سندا.
ولقد روى «ابن عقدة» في رسالة «الولاية» هذا الحديث بمائة وخمسين حديثا.
وروى أبو بكر محمّد بن عمر البغدادي المعروف بالجمعاني هذا الحديث بخمس وعشرين سندا.
كما روى من علماء الحديث هذه الواقعة نظراء:
أحمد بن حنبل الشيباني
بـ 40 سندا
ابن حجر العسقلاني
بـ 25 سندا
الجزري الشافعي
بـ 80 سندا
أبو سعيد السجستاني
بـ 120 سندا
الأمير محمّد اليمني
بـ 40
النسائي
بـ 250 سندا
أبو العلاء الهمداني
بـ 100 سندا
أبو العرفان الحبان
بـ 30 سندا
وبلغ عدد من ألّف رسالة خاصة أو كتابا مستقلا حول هذه الواقعة وخصوصياتها وتفاصيلها 26 شخصا ولعلّ هناك غيرهم ممن ألّف كتابا أو رسالة مستقلّة حول هذه الحدث التاريخي الهامّ لم يذكر التاريخ أسماءهم، أو ضاعت مؤلفاتهم مع التطورات التي طرأت على الأمة الإسلامية وضيّعت الكثير من تراثها الفكريّ خلال عمليات الاغارة والنهب أو الهدم والإحراق (ولقد اقتبسنا كل هذه الاحصاءات من كتاب الغدير الجزء الاول).
ولقد كتب علماء الشيعة كتبا قيمة حول هذه الواقعة أجمعها واشملها كتاب «الغدير» بقلم العلامة الجليل والكاتب الاسلامي القدير المرحوم آية الله الشيخ الأميني (قدس سره)، والذي يقع في أحد عشر مجلدا في ما يقرب من ستة آلاف صفحة، وقد استفدنا كثيرا من تلك الموسوعة في تنظيم الفصل الحاضر.
ثم ان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يلبث ان نزل عليه قوله تعالى بعد نصبه عليا لإمرة المسلمين في تلك الواقعة:
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً»([7]).
فكبّر النبي (صلى الله عليه وآله) بصوت عال ثم أضاف قائلا:
«الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي، وولاية عليّ بن أبي طالب من بعدى».
ثم نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذلك المنبر المصنوع من حدائج الابل وأمر امير المؤمنين عليّا (عليه السلام) أن يجلس في خيمة وأمر أطباق الناس وكلّ من حضر المشهد من امته ومنهم الشيخان ومشيخة قريش ووجوه الأنصار كما أمر امّهات المؤمنين بالدخول على أمير المؤمنين (عليه السلام) وتهنئته على تنصيبه لمنصب الامامة والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ففعل الناس ذلك وانكبّوا على «علي» (عليه السلام) بأيديهم وكان أول من صافق وهنأ عليّا أبو بكر وعمر واصفين إياه بالولاية.
وهنا قام «حسان بن ثابت الأنصاري» شاعر الاسلام واستأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أن ينشد شعرا بهذه المناسبة، فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلا: قل على بركة الله.